العراق: بلد طارد للسكان، جاذب للعمالة
بقلم التدريسية: جمانة جاسم الاسدي والباحثة: سجى ايمن الصافي
من سخرية الاقدار ان تنعكس وتنقلب الايات رأسا على عقب، ويكون ما يجب ان يكون هو حلم وامنية غير كائنة، ويتحقق المرفوض ويأخذ حيزه ويتربع جاثمًا على الصدور!
ففي الوقت الذي يصنف فيه القطر العراقي على انه بلد فتي، اغلب من فيه هم من الفئات العمرية الشابة، مما يدل دلالة قاطعة على كون الطاقات والموارد البشرية فيه فائقة الجودة عالية المستوى كبيرة العدد، الا انها مهدورة ومبددة معرضة للضياع بكافة اشكاله، الا انه بالمقابل يصنف عكسياً فيما يتعلق ببيئة العيش الرغيد، وسكانه بعيدين كل البعد عن الرفاهية الدولية العامة، ولأسباب عديدة منها سياسية بكل تأكيد، ومنها مناخية ومنها اجتماعية واقتصادية كذلك، ومنها دولية معاكسة لرغبات السلم والامن الدولي.
مما جعل من العراق بلدا طارد للشباب والسكان الاصليين، جاذبا لما دونهم، فالكثيرين هاجروا والاكثر رغبوا، وفيما لو تكلمنا من منطلق القانون الدولي سنجد ان من المهم مراعاة فئة الشباب العاطلين عن العمل، بغية ان لا يكونوا في حلقة مفرغة من العمل ولا يجروا الى الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة، وفي هذا السياق يمكن لبعثات حفظ السلام الدولية ان توفر العديد من الطرق الايجابية وتؤثر على الاقتصاد المحلي من خلال التعاون مع الجهات المختصة في مجال التنمية والمشاريع المفيدة، ويجب على البعثات الدولية ان تضع سياسة خاصة للموظف الوطني لكي يتجنب الهجرة الى دولة اخرى ويترك العمل المحلي ويغتنم كل الفرص التي تتيح له بناء المؤسسات الوطنية، كما ان البطالة للشباب هي من اكثر العناصر زعزعة للاستقرار في كل المجتمعات، فعلى جميع المنظمات الدولية وكذلك هيئة الامم المتحدة والمصارف الدولية ان تعمل جاهدة لإيجاد طرق عصرية لاجتذاب الشباب الى المجتمعات، عبر جعلها منتجة، وايضا يجب ان تكون هنالك ادارة سليمة للموارد الطبيعية المتوفرة في عراق الخير!
ولاستقطاب اكبر عدد من الشباب الوطني للانتاج والعمل بدلا عن العمالة الاجنبية، التي يجب ان تكافح وتتحجم، عبر فرض العديد من الشروط على قدومها بشكل قانوني رسمي من اجل حماية العمالة العراقية الوطنية لان العمل في الدولة من حق مواطنيها دون الاجانب، وقد يسمح للأخير بالعمل في العراق ضمن حدود وحالات استثنائية تقل فيها الايدي العاملة وضمن شروط وقيود، ومن اهم هذه الشروط هو الحصول على اجازة العمل داخل العراق.
وفي سياق قانون العمل نرى انه قد نص على وجوب استحصال إجازة العمل وفقا للمادة الاولى الفقرة ثالثاً من تعليمات ممارسة الاجانب العمل في العراق رقم 18 لسنة 1987 النافذة وكذلك المادة ثلاثون من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 المعدل، بحيث تصدر هذه الاجازة من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعد ان تثبت اقتضاء حاجة المحافظة او العاصمة للأيدي العاملة في عمل معين، وبعد سلسلة اجراءات وموافقات من قبل دائرة العمل و الضمان الاجتماعي في بغداد او اقسامها في المحافظات، وبعد تأييد الدوائر الامنية المختصة بعدم الممانعة من دخول الاجنبي واشتغاله في البلد، حسب المادة الرابعة من التعليمات، كما شدد المشرع ايضا على ضرورة الادلاء بتصريحات معينة بغية الحصول على اجازة العمل وعدم اعطاءها بشكل اعتباطي، فقد نص في المادة السادسة من التعليمات السالفة الذكر على مجموعة من الشروط تتوقف على كون العامل الاجنبي في داخل او خارج العراق فقد ذكرت الفقرة الاولى من المادة الشروط المتعلقة بمن كان خارج العراق، والفقرة الثانية من المادة ذاتها بمن كان داخل العراق، وعلى الرغم من الملاحظات التي قد ترد على هذه المادة، الا انها بالضرورة لو طبقت لحجمت العمالة الاجنبية كثيرا، ولما رأينا تفشي البطالة لدى العمال العراقيين المعطلين قسرا عن العمل، وهنا يأتي دور السلطة التنفيذية في بسط يدها وتفعيل هذه النصوص وغيرها من القوانين الحمائية لأجل اعتبارات وطنية.
الا ان الواقع يشير الى العكس من ذلك جملة وتفصيلا، فالقطاع الخاص ليس وحده من يشغل العمالة الاجنبية ويحلها محل العمالة الوطنية العراقية، لا بل ان القطاعات العامة الرسمية تفعل ذلك ايضاً وتتعاقد مع عمال اجانب بعقود تشغيلية طويلة الامد، وخاصة في القطاع النفطي بمليارات الدولارات!